الثلاثاء، 30 ديسمبر 2014

الهوية المكية ( 3 )

 





فضـل مكة وتحريمها

 دعوات إبراهيم ـ عليه السلام ـ لمكة المكرمة وأهلها

تضمن القرآن الكريم آيات عديدة تخبرنا عن عناية إبراهيم عليه السلام بهذا البلد واهتمامه به ودعائه له  ولأهله وقد خصه بدعوات مباركات كما يلي:

أولاً: أن يجعله بلداً ثم يجعله آمناً قال تعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً ) دعاء من أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام للوادي الذي لازرع فيه ولا أنيس أن يجعله الله بلداً آمنا ً، ثم دعا له بعد أن صار بلداً مأهولاً بالأمن كذلك  ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً ).

ثانياً: أن يرزق الله أهله من الثمرات ( وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) يقول ابن عباس رضي الله عنهما : دعا إبراهيم عليه السلام لمن آمن دون الناس خاصة فأعلم الله عز وجل أنه يرزق من كفر كما يرزق من آمن . ( وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ ) . وبدأ إبراهيم عليه السلام دعواته بالأمن قبل الرزق لأنه إذا انعدم الأمن لم يهنأ الناس بطعام ولا شراب .

ثالثاً: دعاؤه عند بناء البيت وسؤال  الله أن يتقبل منه وأن يهدي ذريته للإسلام  ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّآ إِنّكَ أَنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ *  رَبّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرّيّتِنَآ أُمّةً مّسْلِمَةً لّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنّكَ أَنتَ التّوّابُ الرّحِيمُ ).

رابعاً: أن يجعل في قلوب بعض خلقه ميلاً إليهم فيسعدوا بجوارهم ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ )  وفي قوله : ( عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ ) يؤدوا الصلاة بأركانها وواجباتها.

خامساً: أن يبعث الله فيهم رسولاً  منهم ( رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ )  فاستجاب الله دعاءه فبعث فينا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم  ففي المستدرك ( أن أصحاب رسول الله  صلى الله عليه وسلم  ورضي الله عنهم قالوا: يا رسول الله أخبرنا عن نفسك فقال دعوة أبي إبراهيم وبشرى عيسى).

سادساً: أن يجنبه وذريته عبادة الأصنام ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ  رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ).

 



خصائص مكة 

يختص الله سبحانه وتعالى بالفضل والتفضيل فيجعله حيث شاء ، كما فضل من الأماكن مكة المكرمة على سائر الأرض فهي القبلة في الصلاة, ويقصدها العباد  لأداء الحج والعمرة, وحث على تعظيمها في قوله ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ). وجعله موضعاً لأداء مناسك الحج .وأوجب على العباد الحج إليه فقال ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ ) .ودل على فضلها وتفضيلها على ما سواها  نصوص كثيرة من القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة نكتفي منها بما ورد في كتاب الله :

1) أن الله أقسم بمكة المكرمة في مواضع من كتابه و قسم الله بها تشريف لها وتعظيم لها قال تعالى : ( وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ *وَطُورِ سِينِينَ* وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ )  وأقسم بها في قوله تعالى: ( لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ )


2) الامتنان على أهله بأمنه قال تعالى : ( أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنَّا وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ )

3) تعهد الله برزق أهله استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام  ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ )
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لا يقضون منه وطراً يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه .  وذلك استجابة لدعاء إبراهيم عليه السلام. ( رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ )

4)  خص الله هذه البلدة بالبيت المعظم بالكعبة المشرفة ،قال تعالى: ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) ( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبّنَا تَقَبّلْ مِنّآ إِنّكَ أَنتَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ ).

5) الأمر بتطهير البيت وحمايته من الشرك،قال تعالى : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِي لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ )، وقال تعالى : ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ).

6) خصت مكة المكرمة بأنها قبلة المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ويعتبر استقبال الكعبة من أهم عوامل وحدة المسلمين، ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِنَّهُ لَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ).

 وجعل أجر الصلاة في هذه البقعة الطاهرة  بمائة ألف صلاة ، يقول  النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد من حديث جابر رضي الله عنه : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من مائة ألف صلاة  فيما سواه). وذهب بعض أهل العلم إلى أن العمل الصالح كله يضاعف في هذا البلد الحرام .
 
7) مشروعية سوق  الهدي إلى مكة المكرمة: قال تعالى: ( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ) قال مجاهد الصفا والمروة والهدي والبدن من شعائر الله،وقيل ( شَعَائِرَ اللَّهِ ) محارمه أي لا تحلوا محارم الله التي حرمها تعالى وقوله تعالى : ( وَلا الْهَدْيَ وَلا الْقَلائِدَ ) يعني لا تتركوا الإهداء إلى البيت الحرام فإن فيه تعظيم شعائر الله ولا تتركوا تقليدها في أعناقها لتتميز به عما عداها من الأنعام، وليعلم أنها هدي إلى الكعبة فيجتنبها من يريدها بسوء وتبعث من يراها على الإتيان بمثلها .

8) حرمة مكة وتحريم صيدها وشجرها وخلاها ، قال تعالى : ( إِنَّمَا أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَهَا وَلَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) ، لقد حرم الله مكة المكرمة فهي حرام بحرمة الله منذ أن خلق الله الخلق كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة :( إِنّ هَذَا الْبَلَدَ حَرّمهُ اللّهُ يَوْمَ خَلَقَ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللّهِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَإِنّهُ لَمْ يَحِلّ الْقِتَالُ فِيهِ لأَحَدٍ قَبْلِي. وَلَمْ يَحِلّ لِي إِلاّ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ. فَهُوَ حَرَامٌ بِحُرْمَةِ اللّهِ إِلَىَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. لاَ يُعْضَدُ شَوْكُهُ. وَلاَ يُنَفّرُ صَيْدُهُ. وَلاَ يَلْتَقِطُ إِلاّ مَنْ عَرّفَهَا. وَلاَ يُخْتَلَىَ خَلاَهَا" فَقَالَ الْعَبّاسُ: يَا رَسُولَ اللّهِ إِلاّ الإِذْخِرَ. فَإِنّهُ لِقَيْنِهِمْ وَلِبُيُوتِهِمْ. فَقَالَ: "إِلاّ الإِذْخِرَ) .

9) الأمر بتأمين من قصد الحرم قال تعالى :  ( وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )، أي أمنوا من دخله ، وقال سبحانه ( وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً ) ويقول الله تعالى : ( وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَاناً ) أي ولا تستحلوا قتال القاصدين إلى بيت الله الحرام الذي من دخله كان آمنا وكذا من قصده طالبا فضل الله وراغبا في رضوانه فلا تصدوه ولا تمنعوه . 

10) تحريم الإلحاد والظلم في البلد الحرام،قال تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) أي : ومن يهم فيه بأمر فظيع من المعاصي الكبار عامداً قاصداً أنه ظلم ليس بمتأول .

11) تحريم القتال في البلد الحرام  قال تعالى : ( وَلا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ )

12) تحريم دخول المشركين والكفار مكة المكرمة : قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) .
وقال تعالى : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ).

وقد حمى  الله البيت الحرام ممن أراد به السوء كما قال تعالى :  ( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ*أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبَابِيلَ * تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ * فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ ). يقول ابن كثير : هذه من النعم التي امتن الله بها على قريش فيما صرف عنهم من أصحاب الفيل الذين كانوا قد عزموا على هدم الكعبة ومحو أثرها من الوجود فأبادهم الله وأرغم أنوفهم وخيب سعيهم وأضل عملهم وردهم بشر خيبة .وهذا من باب الإرهاص والتوطئة لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه ولد في ذلك العام على أشهر الأقوال ولسان حال القدر يقول لم ننصركم يامعشر قريش على الحبشة لخيرتكم عليهم ولكن صيانة للبيت العتيق الذي سنشرفه ونعظمه ونوقره ببعثة النبي الأمي محمد صلوات الله وسلامه عليه خاتم الأنبياء .

 


الأمن في البلد الحرام

استجاب الله دعوة خليله إبراهيم عليه السلام فجعل مكة المكرمة بلداً آمنا كما قال تعالى: ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الاَخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتّعُهُ قَلِيلاً ثُمّ أَضْطَرّهُ إِلَىَ عَذَابِ النّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) فجعل الله أم القرى  مكة المكرمة  بلداً آمنا  من الظلم والإغارات الواقعة على غيره .
 


واجبات ساكني البلد الحرام وقاصديه

جعل الله الكعبة البيت الحرام مثابة للناس ، و لهذه المنـزلة العظيمة وجب على من حباهم الله بهذا المقام العظيم وشرفهم به أن يدركوا هذه المنزلة العظيمة فيعظموا شعائر الله ، قال تعالى: ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ) هذه البلدة يستوي فيها أهلها والوافدون إليها  قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) فقد جعله الله دار سكنى لكل مسلم وسوى فيه بين الحاضر والباد، وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه والمدينة المنورة حصن واق بإذن الله من فتنة المسيح الدجال .

 وتذكر آيات القرآن بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة في قوله تعالى : ( كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ) مع شغفه بها كما في قول عَبْدِ اللّهِ بنِ عَدِيّ بنِ حَمْرَاءَ الزهري قَالَ: "رَأَيْتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم وَاقِفاً عَلَى الْحَزْورَةِ، فَقَالَ: ( وَاللّهِ إِنّك لَخَيْرُ أَرْضِ اللّهِ، وَأَحَبّ أَرْضِ اللّهِ إِلَى اللّهِ. وَلَوْلاَ أَنّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ ) ووعده بأن يرده إليه في قوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جَاءَ بِالْهُدَى وَمَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ )  .ولما اجتمع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكة وفتحت مكة وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم مفتاح الكعبة أنزل تبارك وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ) .

ولما حج النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بأصحابه في حجة الوداع أنزل الله عليه بمكة ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )  ونبهت آيات الكتاب إلى ضرورة الاهتمام بالأعمال الصالحة ، وعدم الاغترار بأعمال الظاهرة فقال تعالى : ( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ).




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق