الخميس، 5 مارس 2015

فلذاتنا روح الحياة ( 4 )


معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال
أ. أبوبكر يوسف المشرف
أولاً الأحاديث النبوية
ثانيا أمثلة عملية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم
1- الحسن والحسين رضي الله عنهما
2- أنس بن مالك رضي الله عنه
3- أبو عمير رضي الله عنه
4- محمود بن الربيع رضي الله عنه 
5-موت ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم
6-النبي صلى الله عليه وسلم يعود الغلام اليهودي في مرضه
7-أمامة بنت العاص رضي الله عنها
8-عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه 
9-أسامة بن زيد رضي الله عنه
10-عبد الله بن العباس رضي الله عنه
معاملة النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال
أ. : أبوبكر يوسف المشرف
أولا أحاديث في التربية
من إطلع على السيرة النبوية للنبي صلى الله عليه وسلم الذي جعله الله تعالى قدوة للمسلمين وللمربين فإنه يلحظ بوضوح إهتمامه الواسع بأسس البناء النفسي والعاطفي للطفل ، فقد كان يهتم بالأطفال ويفيض عليهم من حبه وحنانه فيقبلهم ويداعبهم ويلاعبهم ويسأل عنهم ويسلم عليهم ويسر لرؤيتهم ويمسح على رؤوسهم ويضع يده الشريفة على خدهم ويدعو لهم ويضعهم في حجره بل ويصبر عليهم ويستمع إلى أحاديثهم ويثني عليهم ويكني صغيرهم ، فالطفل هو الطفل يهفو على الدوام لمن كان له قلب رحيم يعطيه وينميه ويجد في رحابه عاطفة الأبوة الجاذبة.
وجاءت تلك المعاملة النبوية الراقية للأطفال مراعاة منه لسنن الله الفطرية التي جعلها الله تعالى في الأطفال فلم يكبتها كما يفعل بعض الجفاة ويتضح ذلك من خلال النصوص النبوية التي تحض على التربية للأطفال وترشد إليها فمن ذلك :-
الحديث الأول عَن أنَسٍ قالَ: سَمِعتُ النَّبِـيَّ يَقُولُ: (1)«أكْرِمُوا أوْلاَدَكُمْ وَأحْسِنُوا آدابَهُمْ».
الحديث الثاني عن جَابِرِ بن سَمُرَةَ ، قالَ: قالَ رَسُول الله(2) :«لأَنْ يُؤَدِّبَ الرجُلُ وَلَدَهُ خَيْرٌ مِنْ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِصَاعٍ))0 قال الباحث في ذلك لعل الصدقة بالمال تنقطع أما تأديب الرجل ولده فإنّ فائدته لا تنقطع أبدا بل هي صدقة جارية ومتعدية نفعها الى الغير . 
الحديث الثالث وفيه تعنيف النبي صلى الله عليه وسلم وزجر لكل أبوين لا يقبلان أولادهما ولا يعطفان عليهما وحكم عليهم بأنّ الرحمة منزوعة من قلوبهما وليتأمل المسلم ما روته السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: (3)((جاء أعرابيٌّ إلى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: تقبلونَ الصبيانَ فما نُقبّلهم، فقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم: أوَ أملك لك أن نَزعَ اللّهُ من قلبِكَ الرحمة)).
الحديث الرابع وفيه ترسيخ لمعنى الرحمة عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده قال( 4) « قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من لم يوقر كبيرنا، ويرحم صغيرنا».
الحديث الخامس في الإحسان الى البنات وتأديبهن عن عائشة: (1)(( أن امرأة دخلت عليها ومعها ابنتان لها فأعطيتها تمرة فشققتها بينهما، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «مَنْ ابْتُلِيَ بِشَيْءٍ مِنْ هٰذِه الْبناتِ فَأَحْسَنَ إِلَيْهُنَّ كُنَّ لَهُ سِتْراً مِنَ النَّارِ)) ومما يلي في هذا المبحث أمثلة واقعية لمعاملة النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان هو المربي الأول الذي قام بهذه المهمة التربوية فرسم نماذج تربوية للطفولة لم يسبق لها مثيل في عالم الرعاية بالأطفال ، حيث كان يشرف بنفسه وبأسلوبه الفريد في تنشئة تلك البراعم التي لم تتفتح ، والأغصان التي لم يشتد عودها بعد ، ولم تكن هذه التربية النبوية قاصرة على من يعيش تحت سقف بيته ، بل كان ذلك مبدءاً تربوياً ينتهجه لأمته عامة ، ويرسخه لكل الأجيال من بعده ليقتفوا أثره ويسيروا على منهجه التربوي عملا بقوله تعالى (2)﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً﴾.



أمثلة عملية من حياة النبي صلى الله عليه وسلم :
1- الحسن والحسين عليهما السلام
الحسن بن على بن أبى طالب القرشى الهاشمى ، أبو محمد المدنى والحسين بن علي بن أبى طالب القرشى الهاشمى أبو عبد الله المدنى، سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و ريحانتاه من الدنيا و سيدا شباب أهل الجنة ولدا فى رمضان سنة ثلاث من الهجرة كان لهما النصيب الأعظم من حب النبي صلى الله عليه وسلم وكم من عظة وعبرة تستفاد من ملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لهما من إختيار أحسن الأسماء لهما وضمهما اليه وتقبيلهما وإردافهما على الدابة وغير ذلك وسيقوم الباحث بإيراد جانب من ذلك الوجه المشرق من تربيته صلى الله عليه وسلم وعطفه على أبنائه وفي ذلك عبرة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ومن ذلك :-
1-إختيار أحسن الأسماء لأبناء بنته :-
تولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمية أبنائه بنفسه وقد غير صلى الله عليه وسلم اسم الحسن والحسين بعد أن سماهم علي رضي الله عنه حرباً وذلك تفاؤلاً منه صلى الله عليه وسلم فعن عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ(5) (لَمَّا وُلِدَ الْحَسَنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ قَالَ قُلْتُ حَرْبًا قَالَ بَلْ هُوَ حَسَنٌ فَلَمَّا وُلِدَ الْحُسَيْنُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ قَالَ قُلْتُ حَرْبًا قَالَ بَلْ هُوَ حُسَيْنٌ فَلَمَّا وُلِدَ الثَّالِثُ سَمَّيْتُهُ حَرْبًا فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَرُونِي ابْنِي مَا سَمَّيْتُمُوهُ قُلْتُ حَرْبًا قَالَ بَلْ هُوَ مُحَسِّنٌ ثُمَّ قَالَ سَمَّيْتُهُمْ بِأَسْمَاءِ وَلَدِ هَارُونَ شَبَّرُ وَشَبِيرُ وَمُشَبِّرٌ.))
2- قطع النبي الخطبة للحسن والحسين ووضعهما بين يديه :-
عن أَبِي بُرَيْدَةَ قال (6) ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُنَا إِذْ جَاءَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا قَمِيصَانِ أَحْمَرَانِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْمِنْبَرِ فَحَمَلَهُمَا وَوَضَعَهُمَا بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ صَدَقَ اللَّهُ إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ فَنَظَرْتُ إِلَى هَذَيْنِ الصَّبِيَّيْنِ يَمْشِيَانِ وَيَعْثُرَانِ فَلَمْ أَصْبِرْ حَتَّى قَطَعْتُ حَدِيثِي وَرَفَعْتُهُمَا))
3-ركوبهما على ظهر النبي في الصلاة
تضافرت الروايات على أنّ الحسن والحسين كانا يركبان على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم غير مرة ،ومما ورد رواية أنّ الحسن يركب على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم ويدخل بين رجليه فعن عبد الله بن الزبير(1)(: قد رأيت الحسن بن على يأتى النبى صلى الله عليه وسلم و هو ساجد فيركب ظهره فما ينزله حتى يكون هو الذى ينزل ، و يأتى و هو راكع فيفرج له بين رجليه حتى يخرج من الجانب الآخر)) ويطيل الصلاة أحياناً لأن أحد ولديه على ظهره كراهة أن يعجله حتى يقضي حاجته وهذه من رواية ْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ (2)(خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعَشِيِّ الظُّهْرِ أَوْ الْعَصْرِ وَهُوَ حَامِلُ حَسَنٍ أَوْ حُسَيْنٍ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا قَالَ إِنِّي رَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهَرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ فِي سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَيْ الصَّلَاةِ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ قَالَ كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي(3) فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَه))
ُ4-دعاء النبي للحسن والحسين واعتناقه وتقبيلهما:-
ومن دعائه للحسن عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (4)((أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا )) ومن معانقته له وتقبيله إياه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ الدَّوْسِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (5)(( خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةِ النَّهَارِ لَا يُكَلِّمُنِي وَلَا أُكَلِّمُهُ حَتَّى أَتَى سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ فَجَلَسَ بِفِنَاءِ بَيْتِ فَاطِمَةَ فَقَالَ أَثَمَّ لُكَعُ أَثَمَّ لُكَعُ(6) فَحَبَسَتْهُ شَيْئًا فَظَنَنْتُ أَنَّهَا تُلْبِسُهُ سِخَابًا(7) أَوْ تُغَسِّلُهُ فَجَاءَ-أي الحسن- يَشْتَدُّ حَتَّى عَانَقَهُ وَقَبَّلَهُ وَقَالَ اللَّهُمَّ أَحْبِبْهُ وَأَحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ )) 
ومن ملاعبته الحسين وتقبيله إياه عن يَعْلَى بْنَ مُرَّةَ حَدَّثَهُمْ (8)(( أَنَّهُمْ خَرَجُوا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى طَعَامٍ دُعُوا لَهُ فَإِذَا حُسَيْنٌ يَلْعَبُ فِي السِّكَّةِ قَالَ فَتَقَدَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَامَ الْقَوْمِ وَبَسَطَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ الْغُلَامُ يَفِرُّ هَا هُنَا وَهَا هُنَا وَيُضَاحِكُهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَخَذَهُ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ تَحْتَ ذَقْنِهِ وَالْأُخْرَى فِي فَأْسِ رَأْسِهِ فَقَبَّلَهُ وَقَالَ حُسَيْنٌ مِنِّي وَأَنَا مِنْ حُسَيْنٍ أَحَبَّ اللَّهُ مَنْ أَحَبَّ حُسَيْنًا حُسَيْنٌ سِبْطٌ مِنْ الْأَسْبَاطِ ))
5-اردافهما على الدابة :-
عن إِيَاسٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: (2)(( لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ حَتَّى أَدْخَلْتُهُمْ حُجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا قُدَّامَهُ وَهَذَا خَلْفَهُ))0 
6-النبي صلى الله عليه وسلم يعطي الماء لطالبه الأول:-
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال : (3) ((َ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا نَائِمٌ عَلَى الْمَنَامَةِ فَاسْتَسْقَى الْحَسَنُ أَوْ الْحُسَيْنُ قَالَ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى شَاةٍ لَنَا بِكْرٍ فَحَلَبَهَا فَدَرَّتْ فَجَاءَهُ الْحَسَنُ فَنَحَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ فَاطِمَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ كَأَنَّهُ أَحَبُّهُمَا إِلَيْكَ قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ اسْتَسْقَى قَبْلَهُ ثُمَّ قَالَ إِنِّي وَإِيَّاكِ وَهَذَيْنِ وَهَذَا الرَّاقِدَ فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))
7- تعويذ النبي صلى الله عليه وسلم للحسن والحسين 
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعوذ الحسن والحسين من الهوام وعين الإنس والجن عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:(4)(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ يَقُولُ أُعِيذُكُمَا بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ(5) وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ وَيَقُولُ هَكَذَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يُعَوِّذُ إِسْحَقَ وَإِسْمَعِيلَ عَلَيْهِمْ السَّلَام))


2- أنس بن مالك رضي الله عنه 
أنس بن مالك بن النضر بن ضمضم بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارى النجارى ، أبو حمزة المدنى نزيل البصرة ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و خادمه . و أمه أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام ، خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، مدة مقامه بالمدينة ،ولا شك أنّ تلك السنون العشر كافية بأن تصقل ذلك الصبي وتأدبه بالآداب النبوية ،عشر سنين يخدم فيها النبي صلى الله عليه وسلم ويكون معه في حله وترحاله فلينظر المتأمل الى جوانب ومواقف من رحلة ذلك الصبي مع خير البرية صلى الله عليه وسلم .
1-تكنية النبي صلى الله عليه وسلم لأنس :-
كناه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حمزة ببقلة كان قد جناها أنس رضي الله عنه ،وهو ما زال صغيراً لم يبلغ الحلم فضلاً عن كونه تزوج أو وُلد له ولد دلالة على التكني للصبي والكبير من باب أولى تكريماً منه صلى الله عليه وسلم لأنس فعن أنس بن مالك قَالَ : - (2)((كَنَّانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبَقْلَةٍ كُنْتُ أَجْتَنِيهَا)). 
2-خدمته صلى الله عليه وسلم ورفق النبي صلى الله عليه وسلم به :-
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرفق الناس بالناس وأرحمهم من أمهامتهم بل ومن أنفسهم وأشد الناس تواضعاً وأبعدهم عن الكبر والخيلاء ومن ذلك رفقه صلى الله عليه وسلم بخدمه ويورد الباحث قصة لأنس وهو يؤيد ما ذكر الباحث تطبيقاً عملياً قال أنس : (3)(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ خُلُقًا فَأَرْسَلَنِي يَوْمًا لِحَاجَةٍ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَذْهَبُ وَفِي نَفْسِي أَنْ أَذْهَبَ لِمَا أَمَرَنِي بِهِ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَرَجْتُ حَتَّى أَمُرَّ عَلَى صِبْيَانٍ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي السُّوقِ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَبَضَ بِقَفَايَ مِنْ وَرَائِي قَالَ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ وَهُوَ يَضْحَكُ فَقَالَ يَا أُنَيْسُ أَذَهَبْتَ حَيْثُ أَمَرْتُكَ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ أَنَا أَذْهَبُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنَسٌ وَاللَّهِ لَقَدْ خَدَمْتُهُ تِسْعَ سِنِينَ مَا عَلِمْتُهُ قَالَ لِشَيْءٍ صَنَعْتُهُ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا أَوْ لِشَيْءٍ تَرَكْتُهُ هَلَّا فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا)).
3- دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم له :-
إنّ الدعاء سلاح عظيم ولا يرد القدر الا الدعاء(1) يأمر الله تعالى نبيه بأن يدعو للمؤمنين قال تعالى (2) ﴿وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ وهاهو محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو لخادمه أنس بخيري الدنيا والآخرة بأن يكثر ماله وولده وأن يبارك فيه ،عَنْ أَنَسٍ قَالَ : (3)((دَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَمَا هُوَ إِلَّا أَنَا وَأُمِّي وَأُمُّ حَرَامٍ خَالَتِي فَقَالَ قُومُوا فَلِأُصَلِّيَ بِكُمْ فِي غَيْرِ وَقْتِ صَلَاةٍ فَصَلَّى بِنَا فَقَالَ رَجُلٌ لِثَابِتٍ أَيْنَ جَعَلَ أَنَسًا مِنْهُ قَالَ جَعَلَهُ عَلَى يَمِينِهِ ثُمَّ دَعَا لَنَا أَهْلَ الْبَيْتِ بِكُلِّ خَيْرٍ مِنْ خَيْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَقَالَتْ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ خُوَيْدِمُكَ ادْعُ اللَّهَ لَهُ قَالَ فَدَعَا لِي بِكُلِّ خَيْرٍ وَكَانَ فِي آخِرِ مَا دَعَا لِي بِهِ أَنْ قَالَ اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيهِ)) ، وقد دفن من صلبه إلى مقدم الحجاج نيف على عشرين و مئة(4) .
4- تقبيل النبي صلى الله عليه وسلم لأنس :-
عن أنس ، قال(5) : لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، أخذت أم سليم بيدى ، فقالت : يا رسول الله ، هذا أنس ، غلام لبيب ، كاتب ، يخدمك ، قال : فقبلنى رسول الله صلى الله عليه وسلم .
5- النبي صلى الله عليه وسلم يمازح أنساً 
:-
كان النبي صلى الله عليه وسلم مع شدة أعباء الرسالة يمازح أصحابه ويداعبهم ولكنه كان لا يخرج عن دائرة الحق فيدخل على أصحابه الغبطة والسرور ، فهاهو يمازح أنساً الصغير، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: (6)(( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ يَا ذَا الْأُذُنَيْنِ )) .
6- كرامة الله لأنس لخدمته رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
عن ثابت البنانى : (7)((كنت مع أنس ، فجاء قهرمانه ، فقال : يا أبا حمزة عطشت أرضنا ، قال : فقام أنس ، فتوضا ، و خرج إلى البرية ، فصلى ركعتين ، ثم دعا ، فرأيت السحاب يلتئم ، قال : ثم مطرت حتى ملأت كل شىء ، فلما سكن المطر ، بعث أنس بعض أهله ، فقال : انظر أين بلغت السماء ؟ فنظر ، فلم تعد أرضه إلا يسيرا ، و ذلك فى الصيف)).


3- أبوعمير رضي الله عنه
أبو عمير هو أخ لأنس بن مالك صغير يداعبه النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَنَسٍ قَالَ (1) (( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا وَكَانَ لِي أَخٌ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُمَيْرٍ قَالَ أَحْسِبُهُ فَطِيمًا وَكَانَ إِذَا جَاءَ قَالَ يَا أَبَا عُمَيْرٍ مَا فَعَلَ النُّغَيْرُ نُغَرٌ كَانَ يَلْعَبُ بِهِ فَرُبَّمَا حَضَرَ الصَّلَاةَ وَهُوَ فِي بَيْتِنَا فَيَأْمُرُ بِالْبِسَاطِ الَّذِي تَحْتَهُ فَيُكْنَسُ وَيُنْضَحُ ثُمَّ يَقُومُ وَنَقُومُ خَلْفَهُ فَيُصَلِّي بِنَا)) وقد ذكر ابن حجر(2) أنّ في هذا الحديث من وجوه الفقه وفنون الأدب والفائدة ستين وجها وقد جمع في هذا الموضع طرقه وتتبع ما في رواية كل من العلماء من فائدة زائدة ويذكر الباحث من هذه الفوائد ما فيها تعلق بتربية الأطفال وحسن معاملة وملاطفة النبي صلى الله عليه وسلم لهم :-
1-جواز الممازحة وتكرير المزح وأنها مباحة سنة لا رخصة .
2- وأن ممازحة الصبي الذي لم يميز جائزة , وتكرير زيارة الممزوح معه .
3- ترك التكبر والترفع , والفرق بين كون الكبير في الطريق فيتواقر أو في البيت فيمزح.
4- التلطف بالصديق صغيرا كان أو كبيراً.
5- جواز تكنية من لم يولد له .
6- جواز لعب الصغير بالطير.
7- جواز ترك الأبوين ولدهما الصغير يلعب بما أبيح اللعب به.
8- جواز إنفاق المال فيما يتلهى به الصغير من المباحات .
9- معاشرة الناس على قدر عقولهم.
10- وفيه أن الكبير إذا زار قوما واسى بينهم , فإنه صافح أنسا , ومازح أبا عمير , ونام على فراش أم سليم , وصلى بهم في بيتهم حتى نالوا كلهم من بركته .
11- جواز مواجهته-الصغير- بالخطاب إذا فهم الخطاب وكان في ذلك فائدة ولو بالتأنيس له , وكذا في تعليمه الحكم الشرعي عند قصد تمرينه عليه من الصغر.
12- مسح رأس الصغير للملاطفة .


4- محمود بن الربيع رضي الله عنه
(1)محمود بن الربيع بن سراقة بن عمرو بن زيد بن عبدة الأنصارى الخزرجى ، أبو نعيم و يقال أبو محمد ، المدنى ( ختن عبادة ) ولد سنة 6 هـ وتوفي سنة 99 هـ و يقال : إنه من بنى سالم بن عوف ، و يقال : من بنى عبد الأشهل ، عقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مجة مجها فى وجهه من دلو من بئر كانت فى دارهم ، و هو ابن أربع سنين أو خمس سنين 
عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ قَالَ : (2)(( عَقَلْتُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِي وَأَنَا ابْنُ خَمْسِ سِنِينَ مِنْ دَلْوٍ )) وفعله النبي صلى الله عليه وسلم مع محمود إما مداعبة منه , أو ليبارك عليه بها قال ابن حجر: (3)( وفي هذا الحديث من الفوائد جواز إحضار الصبيان مجالس الحديث وزيارة الإمام أصحابه في دورهم ومداعبته صبيانهم) .
4- حديث الجارية
وهذه جارية لمعاوية بن الحكم السلمي ترعى له غنماً وقد ضربها يوماً لأنً ذئباً قد ذهب بشاة وهي تحرس فأراد أن يكفر عن هذا الذنب فوُّجِهَ من قبل النبي أن يعتقها فسألها النبي حتى يعرف أنها مؤمنة ليعتقها سيدها فاقرها رسول الله على قولها وأثبت لها الإيمان 
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ (( بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ فَقُلْتُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ فَقُلْتُ وَا ثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي حَدِيثُ عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْإِسْلَامِ وَإِنَّ مِنَّا رِجَالًا يَأْتُونَ الْكُهَّانَ قَالَ فَلَا تَأْتِهِمْ قَالَ وَمِنَّا رِجَالٌ يَتَطَيَّرُونَ قَالَ ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُونَهُ فِي صُدُورِهِمْ فَلَا يَصُدَّنَّهُمْ قَالَ ابْنُ الصَّبَّاحِ فَلَا يَصُدَّنَّكُمْ قَالَ قُلْتُ وَمِنَّا رِجَالٌ يَخُطُّونَ قَالَ كَانَ نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ قَالَ وَكَانَتْ لِي جَارِيَةٌ تَرْعَى غَنَمًا لِي قِبَلَ أُحُدٍ وَالْجَوَّانِيَّةِ فَاطَّلَعْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا الذِّيبُ قَدْ ذَهَبَ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ بَنِي آدَمَ آسَفُ كَمَا يَأْسَفُونَ لَكِنِّي صَكَكْتُهَا صَكَّةً فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَظَّمَ ذَلِكَ عَلَيَّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَفَلَا أُعْتِقُهَا قَالَ ائْتِنِي بِهَا فَأَتَيْتُهُ بِهَا فَقَالَ لَهَا أَيْنَ اللَّهُ قَالَتْ فِي السَّمَاءِ قَالَ مَنْ أَنَا قَالَتْ أَنْتَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ أَعْتِقْهَا فَإِنَّهَا مُؤْمِنَةٌ )) 

6- موت ابراهيم بن النبي صلى الله عليه وسلم
ولد للنبي صلى الله عليه وسلم ابناً من مارية القبطية ومات طفلاُ رضيعاً وهنا تظهر أبوة النبي على ابنه الذي مات فلم يضرب خداً ولم يشق جيباً وما دعا بدعوى الجاهلية بل صبر لفقده فذرفت عينه الدموع وحزن قلبه لفقد ابنه وقبَّله النبي وشمَّه وهذه رحمة يجعلها الله في قلب من يشاء من عباده وذكر ربَّه عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (( دَخَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَبِي سَيْفٍ الْقَيْنِ وَكَانَ ظِئْرًا لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْرَاهِيمَ فَقَبَّلَهُ وَشَمَّهُ ثُمَّ دَخَلْنَا عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِبْرَاهِيمُ يَجُودُ بِنَفْسِهِ فَجَعَلَتْ عَيْنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَذْرِفَانِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ يَا ابْنَ عَوْفٍ إِنَّهَا رَحْمَةٌ ثُمَّ أَتْبَعَهَا بِأُخْرَى فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ الْعَيْنَ تَدْمَعُ وَالْقَلْبَ يَحْزَنُ وَلَا نَقُولُ إِلَّا مَا يَرْضَى رَبُّنَا وَإِنَّا بِفِرَاقِكَ يَا إِبْرَاهِيمُ لَمَحْزُونُونَ)) ولما تعجب عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ من صنيع رسول الله مع عهده منه أنه يحث على الصبر وينهى عن الجزع , فأجابه بقوله " إنها رحمة " أي الحالة التي شاهدتها مني هي رقة القلب على الولد لا ما توهمت من الجزع قال ابن حجر (6)(وفيه مشروعية تقبيل الولد وشمه , ومشروعية الرضاع , وعيادة الصغير , والحضور عند المحتضر , ورحمة العيال ).
7- النبي يعود الغلام اليهودي في مرضه
عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: (( كَانَ غُلَامٌ يَهُودِيٌّ يَخْدُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرِضَ فَأَتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُهُ فَقَعَدَ عِنْدَ رَأْسِهِ فَقَالَ لَهُ أَسْلِمْ فَنَظَرَ إِلَى أَبِيهِ وَهُوَ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ أَطِعْ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقُولُ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْقَذَهُ مِنْ النَّارِ )) 
وفي هذا الموقف التربوي من النبي لأمته حسن العهد بالذي خدمه صغيراً وعيادته في مرضه الذي مات فيه رغم عظم الشواغل وأعباء النبوة وقد عرض الإسلام على الصبي ولولا صحته منه ما عرضه عليه دلالة على أنه صح إسلامه.


8- النبي صلى الله عليه وسلم يحمل أمامة بنت العاص في الصلاة
قال أَبَو قَتَادَةَ : (( بَيْنَا نَحْنُ فِي الْمَسْجِدِ جُلُوسٌ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ وَأُمُّهَا زَيْنَبُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ صَبِيَّةٌ يَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِهِ فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ عَلَى عَاتِقِهِ يَضَعُهَا إِذَا رَكَعَ وَيُعِيدُهَا إِذَا قَامَ حَتَّى قَضَى صَلَاتَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا )) 
كانت الصلاة بجماعة كما جاء صريحا وهي شأن الفرائض فعلم به جواز هذا الفعل في الفرض ،وفعله صلى الله تعالى عليه وسلم كان لضرورة أو لبيان الجواز وروى عن المالكية عدم الجواز في الفرائض قال النووي : (ادعى بعض المالكية أنّ هذا الحديث منسوخ وبعضهم أنه من الخصائص وبعضم أنه كان لضرورة وكل ذلك دعاوي باطلة مردودة لا دليل لها وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع لأنّ الآدمي طاهر وما في جوفه معفو عنه وثياب الأطفال وأجسادهم محمولة على الطهارة حتى يتيقن النجاسة والأعمال في الصلاة لا تبطلها إذا قلت أو تفرقت ودلائل الشرع متظاهرة على ذلك وإنما فعل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم ذلك لبيان الجواز).

9- النبي صلى الله عليه وسلم يرشد عمر بن أبي سلمة إلى آداب الطعام
عمر بن أبى سلمة : عبد الله بن عبد الأسد القرشى المخزومى ، أبو حفص المدنى ربيب النبى ; أمه أم سلمة زوج النبى ولد سنة 2 هـ بـ الحبشة توفي 83 هـ على الصحيح بـ المدينة.
أرشد النبي عمر بن أبي سلمة إلى الأكل باليمين لشرفها ،فاليمين وما نسب إليها وما اشتق منها محمود لغة وشرعا ودينا , والشمال على نقيض ذلك , وإذا تقرر ذلك فمن الآداب المناسبة لمكارم الأخلاق والسيرة الحسنة عند الفضلاء اختصاص اليمين بالأعمال الشريفة والأحوال النظيفة فعنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ : (( كُنْتُ فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ فَقَالَ لِي يَا غُلَامُ سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ)) وفي الحديث استحباب تعليم أدب الأكل والشرب وفيه منقبة لعمر بن أبي سلمة لامتثاله الأمر وعمله بمقتضاه قال عبد الله ناصح علوان : ( إنّ النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم أرشد هذا الغلام الى الصواب بالموعظة الحسنة والتوجيه المؤثر المختصر البليغ بكل لطف من غير حرج حتى يتعلم آداب الأكل وذلك لما في الموعظة من أثر تبصره بحقائق الأشياء وتدفعه الى معالي الأمور وتحّليه بمكارم الأخلاق وتوعيه بمنهج النبي).


10- أسامة بن زيد رضي الله عنه
أسامة بن زيد بن حارثة بن شراحيل الكلبى الأمير ، أبو محمد و يقال أبو زيد و يقال أبو حارثة ، المدنى ، الحب ابن الحب . 
النبي يمص الدم عن أسامة وَيَمُجُّهُ عَنْ وَجْهِهِ:-
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ عَثَرَ أُسَامَةُ بِعَتَبَةِ الْبَابِ فَشُجَّ فِي وَجْهِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمِيطِي عَنْهُ الْأَذَى فَتَقَذَّرْتُهُ فَجَعَلَ يَمُصُّ عَنْهُ الدَّمَ وَيَمُجُّهُ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ قَالَ لَوْ كَانَ أُسَامَةُ جَارِيَةً لَحَلَّيْتُهُ وَكَسَوْتُهُ حَتَّى أُنَفِّقَهُ)) 
دعاء النبي لأسامة :-
ومن دعائه للحسن عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ وَيَقُولُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا فَأَحِبَّهُمَا )) 
توجيهه حتى لا يشفع في حد من حدود الله:-
 ((عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) 


11- عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف القرشى الهاشمى أبو العباس المدنى ابن عم رسول الله صلى الله عليه ولد فى الشعب قبل الهجرة بثلاث سنين . توفي سنة 68 هـ بـالطائف، قال المزى : عبد الله بن عباس بن عبد المطلب القرشى الهاشمى ، أبو العباس المدنى ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم . كان يقال له الحبر ، و البحر لكثرة علمه ،وترجمان القرآن دعا له النبى صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين .توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن عشر سنين عن ابن عباس توفى النبى صلى الله عليه وسلم ، و أنا ابن ثلاثة عشرة سنة ، والمتأمل كذلك لحياة هذا الغلام النبيه مع النبي صلى الله عليه وسلم يرى فراسته فيه واعتنائه به وإنشاء الكوادر المسلمة التي تقود العالم في كبرها ومن تلك المواقف:-
1-ضمه صلى الله عليه وسلم الى صدره ودعائه له :-
وهذا الذي يذكر في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أنه يحنو الى الأطفال ويضمهم الى صدره ويدعو لهم بما يناسب حالهم وقد ظهر لرسول الله نبوغ عبد الله بن عباس وفطنته وذكائه فدعا له بما يناسبه بالعلم والفقه في الدين فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: (( ضَمَّنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ)) ورواية أحمد عن ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: (( وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ بَيْنَ كَتِفَيَّ أَوْ قَالَ عَلَى مَنْكِبَيَّ فَقَالَ اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلَ)) .
2- صلاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم :-
أمر الله تعالى نبيه بأن يتجهد له باليل قال تعالى  ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً﴾ وقد حرص هذا الغلام أن يتعلم من النبي صلاته باليل فابت عند خالته ميمونة ،فلم ينهاه النبي صلى الله عليه وسلم بل أقامه عن يمينه ثم صلى معه ووصف لهذه الأمة كيفية صلاة الرسول المقتدى بالليل وهذا الذي يعلم هذه الأمة سر دعاء النبي له بالعلم عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قال : (إَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ صَلَّى 
وَرُبَّمَا قَالَ اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثُمَّ حَدَّثَنَا بِهِ سُفْيَانُ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ كُرَيْبٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ اللَّيْلِ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا خَفِيفًا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمّ ..
3-اردرافه من قبل النبي صلى الله عليه وسلم ووصيته له :-
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَال يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ.)) وهذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين وقد نقل ابن رجب الحنبلي عن أحد العلماء قوله : (( تدبرت هذا الحديث فأدهشني وكدت أطيش فوا أسفاً من الجهل بهذا الحديث وقلة التفهم لمعناه .)) ،فبدأ صلى الله عليه وسلم بالأولوية في التعليم للأطفال بحفظ الله ،ومعناه (احفظ حدوده ونواهيه وحدود ذلك هو الوقوف على عند أومره بالإمتثال وعند نواهيه بالإجتناب وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به وأذن فيه إالى ما نهى عنه)وبالدعوة الى توحيد الله تعالى والتعلق به سبحانه وترك التعلق بغيره فلا يسأل إلا الله ولا يستعان الا به ولا يرجى أويخشى أحد سواه.
4-تحقق دعوة النبي له وجلوسه مع مشيخة بدر في زمان عمر :-
كان ناسٌ من المهاجرين قد وجَدُوا على عمر في إِدنائِهِ ابنَ عباس وهو صغير دونَ أبنائهم فأراد أمير المؤمنين عمر أن يريهم مكانة ابن عباس العلمية عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: (( كَانَ عُمَرُ يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ مِثْلُهُ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ قَالَ فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ قَالَ وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلَّا لِيُرِيَهُمْ مِنِّي فَقَالَ مَا تَقُولُونَ فِي إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ أُمِرْنَا أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ إِذَا نُصِرْنَا وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا نَدْرِي أَوْ لَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا فَقَالَ لِي يَا ابْنَ عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ قُلْتُ لَا قَالَ فَمَا تَقُولُ قُلْتُ هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ فَتْحُ مَكَّةَ فَذَاكَ عَلَامَةُ أَجَلِكَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا قَالَ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَعْلَمُ)) 

الفقير الى ربه : أبوبكر يوسف المشرف

المصدر : ملتقى أهل الحديث


أين نحن من أطفال السلف ؟! 

عن أيوب، عن أبي قِلابة، عن عمرو بن سلمة -رحمه الله- قال: "قال لي أبو قِلابة: ألا تلقاه فتسأله؟ قال: فلقيتُه فسألته فقال: كنا بماءٍ ممرَّ الناس، وكان يمرُّ بنا الركبان فنسألهم: ما للناس، ما للناس؟ ما هذا الرجل؟ فيقولون: يزعُم أن اللهَ أرسله، أوحى إليه، أو: أوحى الله بكذا، فكنت أحفظُ ذلك الكلام، وكأنما يقر في صدري، وكانت العرب تلوَّم بإسلامهم الفتح، فيقولون: اتركوه وقومَه، فإنَّه إن ظهَر عليهم فهو نبي صادق.
فلما كانت وقعة أهل الفتح، بادر كل قوم بإسلامِهم، وبدر أبي قومي بإسلامِهم، فلما قدِم قال: جئتُكم والله من عند النبي -صلى الله عليه وسلم- حقًّا، فقال: "صَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، وَصَلُّوا صَلاَةَ كَذَا فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ أَحَدُكُمْ، وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا". فنظروا فلم يكن أحدٌ أكثرَ قرآنًا مني؛ لما كنت أتلقى من الركبان، فقدَّموني بين أيديهم، وأنا ابن ست أو سبع سنين، وكانت عليَّ بردة، كنت إذا سجدتُ تقلصت عني، فقالت امرأة من الحي: ألا تغطون عنا اسْتَ قارئكم؟ فاشتَروا فقطعوا لي قميصًا، فما فرِحْتُ بشيء فرَحي بذلك القميص.
وقدم إياسُ بن معاوية -رحمه الله- الشام وهو غلام، فقدَّم خصمًا له إلى قاضٍ لعبد الملك بن مروان، وكان خصمه شيخًا كبيرًا، فقال له القاضي: أتقدِّم شيخًا كبيرًا؟ فقال له إياس: الحقُّ أكبر منه. قال: اسكُت. قال: فمَن ينطق بحجَّتي؟ قال: ما أظنُّك تقول حقًّا حتى تقوم. قال: أشهَد أن لا إله إلا الله. فقام القاضي فدخل على عبد الملك فأخبَره بالخبر، فقال: اقضِ حاجتَه وأخرِجْه من الشام لا يفسد عليَّ الناس.
إنها نماذج مضيئة من تاريخنا المنسي، أهدت لأمتنا أروعَ الرجال، فما لنا نقصر في التعريف بهم لأبنائنا، بدلاً من تركهم فريسةً لقدوة مزعومة باطلة فجة، يهرولون إليها في شخصياتٍ تغمر الفضاء غمرًا، بما لا يتناسب وقِيَمنا ومبادئنا، فيتخيلون القدوة في راكلٍ للكرة، أو ممثِّل، أو غيرهم ممن تعِجُّ بهم سماء الإعلام المتناهية الفوضى!
لا بد لنا من آلةٍ إسلاميةٍ إعلاميةٍ قوية (ترسم القدوة) بألوان الحقِّ والخير والجمال، التي يمتلئ بها تاريخُ السلف الصالح.
ينبغي أن نضع أبناءَنا على طريق (القدوة الحسنة) التي يفوح شذاها كلما عانقت أعيننا قصص (أطفال السلف) وسيرتهم، فهل نحنُ فاعلون؟!
د : خاطر الشافعي
المصدر: الألوكة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق